حضرة الأب فؤاد الطبش المحترم،
أخواتي الرّاهبات،
حضرة السيدة فاديا العلم الجميل، مديرة جامعة اليسوعية فيالشمال،
حضرة رئيس لجنة الأهل والأعضاء المحترمين،
حضرة رئيسة القدامى المحترمة والأعضاء،
أيّها المتخرجون والمتخرّجات،
في هذه اللحظاتِ الحميمة، المشدودةِ بين دفءِ اللّقاءِ وحرارةِ الوداع، المُمتلئةِ بحنانِ العيون وبوحِ الصدور، المهيأةِ للمُصافحةِ الأخيرة بين هؤلاءِ المتخرّجين وبينَنا كمسؤولين تربويّين عنهم، في هذهِ اللّحظاتِ، كم أوَدُّ لو أفتحَ نوافذَ خواطرِنا جميعاً على الغدِ، لا على الماضي. فالماضي قد عرفناه وعشناه برقتّهِ وقسوتِهِ، وقرأناهُ كلمةً كلمة وسطراً سطراً. أمّا الغد فما يزالُ كتاباً مُغلقاً فيه أسرار، وفيهِ مفاجآت، وفيه مُخّبآت، غيرَ أنّ ما يُسهِّلُه علينا ويجعلنا واثقين منه، مُطمئنين إليه، هو معرفَتُنا بما تهيّأ له أولادنا هؤلاء ليفوزوا في ذلك الغد.
فقد تزوّد أولادُنا بين أيدينا وأيدي ذويهم بالايمانِ والوطنيّةِ، والمعرفةِ والحلُم والحِكمةِ وعشقْ القيم الإنسانيّة الخالدة.
لقد زوّدناهم بالإيمان ليكونوا قريبين منَ الله في النّجاحِ والفشل، في الرّخاء والشدّةِ، في اليُسرِ والعُسر، لأن القريب من اللهِ قريبٌ دائماً من سبل النجاح والتّوفيق.
وزوّدناهم بالوطنيّة ليكونوا واعينَ لتاريخ لبنان وجغرافيته وإنسانيتة.
فوعيُ التّاريخ يكسبهُم العزّةَ والرِّفعةَ حتى في مثلِ الأوقات الصّعبة الّتي نعيشها وهو تاريخُ وطنٍ كلّما اشتدّت عليهِ المِحن خرج قويّا كطائر الفينيق الذي يولد دائماً من جديد.
ووعيُ الإنسان اللبناني يُكسبهم معنى الكرامة والعنفوان والقدرة وروحِ المبادرة والمُغامرة.
وزوّدناهم بالمعرفة لأنّها جوازُ مرورِهم إلى الجامعات والإختصاصات التي يرغبون بها ليصيروا سُفراء لبنان في كلِّ موقعٍ يفترض الجودة والتفوّق.
زوّدناهم بالحكمة ليكونوا عادلينَ كّلييّن ومُنصفين ومُتّزيني، يحترمون الواجب ويمارسونَ الحق.
وزوّدناهم بالقيم الإنسانية الخالدة، لأنّها جوهرُ العلاقات الإجتماعية ومُرتجاها الأسمى، الشّفافية والحِرص على أعظم كنزٍ وهو الحقيقة!
وقبل أن ينقضي القليل الباقي بيننا هذا المساء، أريد أن أوّجه لأبنائنا هؤلاء، فوج طير الفينيق، ما كنت شاهدة عليه خلال وجودهم في المدرسة.
إنّ إقامة أكثرهم بيننا من نعومة أظافرهم إلى فيعةِ صباهُم، كانت مُجلّلة بتهذيبهم الفردي والجماعي. فهذا الفوج وبشهادة المسؤولة والمعلّمين والإداريين ما إنفكّ متمايزاً بسلوكه وفهمهِ وقدراته وكفاءاته وتعاضده. ولا شكّ في أنّ وراء هذا التّمايز، أهلاً متمايزين وأسراً "أدّبها ربُها فأحسنَ تأديبها".
فيا حبذا لو كانت الأيام قد أتاحت لنا بأكثر من هذا الإحتفال المتواضع وبأبهج من المناسبة ولو سعيدة.
ووعدُنا لكم بأن تبقى قلوبنا موطنًا لكم وعقولنا مصابيحَ لدروبكم، وفقكُم الله حيثما حَلَلتم ورافقتكم عنايتُه كيفما توجّهتم.
أمّا وطننا فسيخرج قريباً من محنته وستنكسر شوكة الظّلام وستعود الحكاية اللبنانية العريقة إلى تمام توهُجّها وألَقِها ورخائها... لا تخافوا فحلّقوا مع الطّائر الميمون أيّها الأبناء والبنات وسَلمتم لذويكُم سلموا هم لرعايتكم.
فوداعاً مؤقتاً أيّها الأحبّة! فوج طائر الفينيق! وإلى اللّقاء فوق قمم نجاحاتكم، وكلّما أحتجتُم إلينا، فاعلموا أننا هنا بانتظاركم.
والله والقلبان والأقدسان معكم.
الأخت جورجيت أبو رجيلي